الخميس، 6 أكتوبر 2022

موسوعة جواهر المعرفة

 


موسوعة جواهر المعرفة

https://www.facebook.com/100001561526474/posts/5379398292122168/?app=fbl


*الحرب وآثارها البيولوجية والديموغرافية*

*في رواية رستم عبدالله "أرض المومياء"*

د/عبده ~منصور~ المحمودي

أستاذ الأدب والنقد الحديث المساعد، جامعة عدن .

بعد بِضْعِ سنواتٍ من صدور روايته الأولى "مدينة الموتى"، عن دار فكرة، القاهرة، 2017م. يقَدّم الكاتب اليمني رستم عبدالله، صورةً من التقاء الماضي بالحاضر، في عمله الروائي الثاني "أرض المومياء"، حيث يتفاعلُ ماضي الحضارة اليمنية القديمة، مع حاضر اليمنيين البائس، في أتون حربٍ، لم تتوقف منذ استعارها في مارس/ آذار 2015م.

لقد كان النزوح واحدًا من أبرز تداعيات هذه الحرب، بما فيه من كارثيةٍ ومعاناةٍ ومفاجأةٍ مأساوية؛ لذلك فقد احتفت به الروايةُ في كثيرٍ من محطّاتها، يقول سعيد، الشخصية الرئيسة في العمل: "لا أدري! ولا أكاد أصدق كيف خرجنا، ونجونا من أنقاض الركام، والدمار المحيط بنا، أنا وأمي وإخوتي، كان كل ما شاهدناه هو أمواج من البشر الهادر، تنزح دون أخذ أي متاع، أو أثاث يذكر سوى حقائب شراعية صغيرة، وأكياس حشرت بها بعض الأسمال -على وجل- ما يستر الجسد قادم الأيام القاتمة"، (ص: 6). 

لقد نزح سعيد وأسرته، من تعز إلى مأرب، فكانت زيارة الأماكن الأثرية واحدة من المسارات التي استدرجتْه إليها. ومن هذا المنحى، تخلّقت قصة المومياوات اليمنية، ذات المحورية الرئيسة في الرواية، حيث تعاطى معها العمل، منذ لحظة الموت، التي داهمت حياة الملك "بعثتر بن عسب إل"، أحد أشراف قبيلة "يرسم"، ومع تفاصيل التحنيط التي أُجريت على جثته. 

امتد هذا التعاطي السردي، إلى العصر الحديث، فقدّم موقفًا أكاديميًّا، ظهرت فيه شخصية البروفيسور هوارد رد - أستاذ ثقافة المومياوات المصرية القديمة بجامعتي: كاليفورنيا أمريكا، وجامعة يورك بريطانيا- وهو يشرح لطلبته تاريخ التحنيط، فتحدثه طالبتُه هيلين روث، عن مومياء يمنيةٍ محنطة، رأتها في جولتها السياحية مع والدها إلى اليمن. أثار حديثها فضوله، وأغراه بالسفر إلى اليمن، للوقوف على هذا الإرث الحضاري ودراسته.

تتسارد قصةُ المومياوات، في الواقع المعاصر، بخصوصية الحرب فيه، والتي انعكست آثارها الكارثية على كائنات هذه القصة؛ ففي العام 2017م، تحدثت وسائل الإعلام عن "تعرض مومياوات متحف جامعة صنعاء للتلف؛ نتيجة انقطاع الكهرباء وتوقف أجهزة التبريد، وضبط قياسات الرطوبة، والحرارة، وصعوبة وصول كثير من السلع والأدوية لليمن"، (ص: 62). وعن نشاط بكتيريا هذه المومياوات، بتوصيفها "بكتيريا قاتلة وخبيثة تعود لثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، ظلت في حالة سبات ونوم طيلة عقود، وفي حالة موت أو تجمد شديدة حتى حصل ذاك الانقطاع التام للكهرباء، والذي بدوره عطّل أجهزة حفظ المومياوات؛ فانزاحت عن جسمها البرودة التي تبقيها ساكنة من أن تثور وتهيج وتنتشر بشكل مخيف"، (ص: 31). ثم تظهر -على إثر ذلك- شخصية جواد، فني الآثار وأمين مستودع الآثار في متحف الآثار بجامعة صنعاء، كأول ضحيةٍ لهذه البكتيريا، تم إسعافه إلى المشفى، ومعه انتقل الخطر إلى مختبر التحليل الطبي، فكانت الكارثة التي شُكِّلَتْ لجنةٌ عاليةُ المستوى، للتعاطي معها.

لقد استأنست الروايةُ بأنسقةٍ موضوعية وعلمية، في معالجتها لعراقة التحنيط اليمني القديم، لكنها لم تسلم من التداعيات الوجدانية المتدفقة من الذات الساردة، التي وضعها هذا التدفق في منصة المحامي المسهب في مرافعاته، فوجد الحشو في تموضعها هذا مساحةً لحضوره، لكنه حضورٌ لم يصل إلى أن يتعثر به القارئ

مات جواد، ولحقت به الممرضة حياة، وبعد أيامٍ قليلة من السيطرة على الكارثة، تُوفِّي أحد أفراد طاقم المكافحة بجلطةٍ مفاجئةٍ في الدماغ، وبعد يومين تُوفِّي فردٌ آخر من الفريق نفسه بسكتة قلبية مفاجئة، وبعد شهر جُنّ رئيس فريق المكافحة، ومرّتْ أربعة أشهر فقُتل أحدُ أفراد الفريق الثاني بطريقة عشوائية، كانت النتائجُ تُرْفعُ إلى اللجنة أولًا بأول، فدبّ الرعب في أعضائها، وأطَلّتْ في أذهانهم فكرة لعنة الفراعنة، التي يصاب بها لصوص المقابر والآثار، (ص: 64).

تصل الرواية بمصير النازح فيها ورفقائه، إلى معركتهم مع كائناتٍ غير مرئية (الجِنّ)، انتصروا فيها انتصارًا غير مكتملٍ؛ فقد توقفت سرديةُ العمل، عند ملاحظة النازح -الراوي- شبحًا بدا له أنه قائدُ تلك الكائنات.


لتحميل الكتاب




 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعلان اول الموضوع

Comments

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *